في سكون الصحراء ووهج الغروب، حيث امتزجت رائحة التراب برائحة الدم الطاهر، وحين صمتت الخيام عن الهمس إلا من آهات ترددها الرياح، يقف طفل صغير عند باب الخيمة، يملأ عينيه مشهداً لا يغيب عن الوجدان ولا يسقط من ذاكرة الأرواح، إنه الإمام محمد الباقر ، ينظر إلى جده الحسين (عليهما السلام) وهو يتوجه نحو ساحة الشهادة في كربلاء.
تتجمد اللحظة، لا صوت إلا وقع خطوات الحسين، وصهيل فرسه الذي يعرف أنه يحمل جسد الطهر نحو الفداء، الإمام الباقر، الطفل الذي لم تشتد أضلعه بعد، يشعر بثقل التاريخ يُزرع في قلبه، يدرك بعين البصيرة أن من يتقدم نحو الأفق ليس رجلاً فقط، بل أمة بأكملها تمضي نحو الخلود.
كيف لقلب طفل أن يتحمل وداع الإمام الحسين؟ كيف له أن يرى جده يسير إلى قدره وهو لا يملك إلا نظرة؟ إنها لحظة تفطر القلوب، حيث لا وداع بالكلمات، بل وداع بالدموع، بالنور، بالسكينة الغريبة التي تخيم على المكان كأن الملائكة تجلل الأرض بثوب الحزن والقداسة.
"السلام عليك يا أبا عبد الله"… تخرج من القلب قبل اللسان، وتُكتب في ذاكرة الإمام الباقر، ليحملها معه سنوات طويلة، ويرويها للأجيال بعد أن يكبر، فيصبح الإمام المفسّر، حاوي أسرار كربلاء، ووارث الحزن الشريف.
ذلك المشهد في كربلاء، لحظة واحدة، لكنها تكفي لتغير مجرى الزمان، الإمام الباقر ينظر، لا كطفل فقط، بل كوريث نور، كوريث دمعة، كوريث عهد أبدي بأن لا تُنسى كربلاء، وبأن لا يُترك الحسين وحيداً في ذاكرة الأمة.