كان لسمير قط صغير ابيض اللون حسن المنظر ، وكان يطيب لسمير في أوقات فراغه أن يداعب قط ، ويتحفه ببعض قطع من الجبن ، ومن أجل ذلك كان القط يبادل سمیرا حبا بحب ، وكثيرا ما كان يجلس تحت قدميه حين يستذكر دروسه ، وفي كل صباح حين خروج سمير الى المدرسة كان القط يجري خلفه ليودعه عند أبواب الحديقة , ويسرع كدلك الاستقباله عند عودته ، فيأخذه سمير بين يديه ويداعبه ويردد القول له : لا تحزن يا صديقي لغيابي عنك بعض الوقت فأنا أذهب الى المدرسة لتحصيل العلم الذي جعله الله سبحانه فريضة على كل مسلم ومسلمة ولا طريق للمستقبل السعيد الا بالعلم وعند سماع أخته سعاد لهذا الحديث المتكرر كانت تبتسم ضاحكة وتقول : إنك يا سمير تخاطب القط الصغير كأنه يعي ويدرك ما تقول ، فيقول سمير ، إنه لا يدرك معنى كلامي با سعاد ولكنه يحس من ملاطفتي له بالحب والمودة ، انظري إليه إنه يهز ذيله سعيدا إنه صديق عزیز با سعاد . إنني أحبه كثيرا ، كثيرا كثيرا يا سعاد .
فتقول سعاد : أنا لا أفهم شيئا عن هذا الحب ولا أدرك معناه ؟ هل أنت تحبه مثلا كما نحب نحن أمنا وأهلنا ؟ فيقول سمير : الحب انواع با سعاد ، وكل نوع له أسلوب وأصول بواجبات فنحن نحب الله سبحانه وتعالى وحبنا له يكون بطاعته وأداء فرائضه، ونحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحبنا له بأن ندرس سيرته ونقتدي بأخلاقه التي لا سبيل الى السعادة في الدنيا والآخرة الا بالعمل بها ، وقد وصفه الله تعالى بأنه على خلق عظيم، وقال سبحانه : لقد كان لكم فيهم اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر صدق الله العظيم .
قالت سعاد : هذا شرح عظيم يا سمير ثم ماذا عن انواع الحب الاخري ؟ قال سمير : نحب الوالد والوالدة ونحب إخوتنا ، ونحب أهلنا بالمودة وعمل مايحبونه مما أمر به الله ، ونحب الناس يحسن المعاملة ، ونحب الفقراء والمساكين بالعطف والبر والإحسان ، ونحب الوطن بالعمل على رف عة شأنه .. تلك ألوان وأنواع من الحب با سعاد ..قالت سعاد ضاحكة : ثم ما حبك للحلوى با سمير !! قال سمير مبتسما مثلطفا أحب الحلوى كما تحبينها انت با سعاد وكما أهديك بعضا منها ، وضحكا معا ثم قال : وأما حبي للقط فهو حرصي على راحته وإسعاده وحمايته ، ثم قال في حماس واعلمي با سعاد أن في ذلك ثوابه من الله ورضوانا .
قالت سعاد : أيكون لمداعبتك للقط ، وفرحك به واحضار الجبن له ما تتحدث عنه من ثواب الله ورضوانه ؟قال سمير : نعم .. وهل تنسين ما تعلمناه عن رسول الله صلى الله عل يه وسلم من أن امرأة دخلت النار بسبب هرة حبستها ولم تطعمها ولم تطلقها لتبحث عن رزقها في الأرض ؟قالت سعاد : شكرا لك إذ ذكرتني بهذا فقد سبق أن سمعته كما سمعت بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخول رجل الجنة لأنه رای كلبا ضعيفا يلهث من العطش وهو يبحث عبثا عن شربة ماء فتعطف عليه الرجل وجعل يغترف له الماء بكفيه ويجعله يشرب حتي ارتوي فشكر الله للرجل صنيعة وأدخله الجنة . قال سمير : وهكذا يثيب الله تعالي علي كل عمل طيب وعلي الرحمة بالانسان وبالحيوان علي حد سواء، فالراحمون يرحمهم الرحمن .
ومضت الايام وجاءت العطلة المدرسية الصيفية وجاء الي دار سمير من بلد آخر بعض اقارب الاسرة ومعهم طفل صغير اسمه بكير لكن هذا الطفل كان شقياً يعبث في الحديقة ويقتلع الشجيرات النامية ، ويقذف الأبواب بقطع من الحجارة ، ولم يكن يستمع الى نصح أو إرشاد ، حتى القط اللطيف لم يسلم من أذاه ، فكان يطارده بالعصا عندما يراه يقترب من صاحبة سمير .. واستمر اذاه للقط الذي صار حزينا ، وأخذ يتجنب طريق بكير ، وكان سمير يدافع عن القط وينصح صاحبه بأن هذا الأذى حرام ينال صاحبه عقاب الله ، وأمر لا يليق ، وكان سمير يؤثر اللين مع صاحبه لأنه ضيف ، والضيف من حقه أن يكرم على كل حال ، وكان سمير شديد الحزن لغياب صاحبه القط الذي هجر الدار فرارا من الأذى واتخذ له مخبأ خلف إحدى الأشجار الكبيرة في الحقل البعيد عن الدار .
وبمرور الأيام حدث شيء عجيب للطفل بكير الذي كان يكثر من التجول خارج البيت بحثا عن القط ليوالي أذاه ، وكان يذهب في ذلك بعيدا عن الدار ، ولما راه القط ذات مرة خاف منه وراح يجري ، وصعد على إحدى الأشجار حتى قمتها ، فتابعة الطفل العنيد وجعل يتسلق الشجرة خلفه وهو ممسك بالعصا فسقط من فوق الغصن ، وكسرت ساقه ، وسال منها الدم ، واخذ يبكي ويبكي ، ولم يعد يستطيع السير حتى ذهب النهار وهو راقد في مكانه فهبط القط اليه وجلس الى جانبه لحظات وهو حزين من أجل الطفل . وهداه تفكيره الى أمر قد يستطيع به انقاذ الطفل المسكين الذي لم يعد يستطيع السير والنهوض ، وكان أهل البيت في حيرة وقلق لغياب الطفل ومضت ساعات وهم يبحثون عنه وهو في مكانه البعيد فلم يهتدوا اليه ، وظل مكانه بیکي ويندم على خروجه بغير إذن من أهله ويندم ندما أشد على ما قدمه للقط من أذى .
أما القط فانه أخذ يجري مسرعا حتى وصل الدار ، وقفز من النافذة وأسرع الى صاحبه سمير ، وراح بشده بكل قوة من جلبابه ، ولم يدر سمير لذلك سبيا ، ولكن القط ظل يشده ويشده وبشده يبجري نحو الباب ويموء بقوة ثم يعود إلى سمير ويعاود جذبه من جلبابه ، وكان سمير في عجب من أمر القط ، ولكن فرحه بعودته لم ينسه حزنه لغياب صاحبه بكير ، ولما رای اهل الدار القط على هذه الصورة تعجبوا من أمره ، وقالوا : انظر يا سمير ماذا يريد منك صاحبك هذا الذي يشدك من جلبابك ، هيا بنا نتبعه ، فساروا خلف القط في ظلام الليل وهم يحملون المصابيح حتى وجدوا الطفل المسكين يبكي ويصيح فعادوا به الى الدار سعداء بهذه النتيجة شاكرين للقط الصغير شجاعته وذكاءه ، أما القط فقد أخذ يحوم حول بکیر كتيرا كثيرا ، كأنه يريد أن يعبر له عن فرحه بسلامته ، وندم بکیر كثيرا على ما كان منه ، وصار بعد شفائه صديقا للقط متلطفا معه ، وقد تعلم درسا عن وجوب الرحمة لبني الإنسان والحيوان على السواء .