إن إحدى أهم الأولويات لدى العلماء المُتطلّعين لإيجاد حياةٍ خارج كوكب الأرض هي تحديد الكواكبٌ الجليديّة المتواجدة في نظامنا الشمسيّ التي تُخفي محيطاتِ هائلة بداخل أسطحها المتجمّدة.
وسوف تعمل مهمة تابعة لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA) سيتم إطلاقها في 2022 على ذلك. إسم هذه المهمة هو "جوس" (JUICE) –اختصاراً للإسم الطويل "مُستكشف أقمار كوكب المُشتري الجليديّة"- وسوف تَجول المركبة الفضائية لهذه المهمة في مدار كوكب المشتري، وستقوم تحديداً بمراقبة ثلاثة من أكبر أقماره وهي غانيميد وكاليستو وقمر أوروبا (Ganymede, Callisto and Europa.)، إذ يعتقد العلماء أن هذه الأقمار الثلاثة تُخفي محيطات ضخمة بداخلها لكنهم ليسوا واثقين من هذا الأمر بعد.
قال عالِمُ الكواكب لدى وكالة الفضاء الأوروبية "أوليفر ويتاسي" Olivier Witasse أثناء محاضرة نسّقتها الأكاديميّة الوطنيّة للعلوم في تاريخ 31-مارس/آذار: "لدينا أسبابٌ مُقنعة تدفعنا للإعتقاد بإحتواء هذه الأقمار على محيطٍ داخلي يقبع أسفل قشرتها الجليدية". من شأن مهمة "جوس" أن تُزوّد العلماء بالبيانات الكافية لتحديد تواجد هذه المحيطات من عدمها.
ويهدف فريق مهمة جوس إلى اتّباع بعض المنهجيات الجديدة في محاولتهم لإيجاد جواب لذلك السؤال.
إن إحدى التقنيات التي تتبعها المركبة هي التقنية المباشرة، لكنها لا تنطبق سوى على واحدٍ من أقمار المشتري. ويعتقد العلماء أن قمر أوروبا يطلق انبعاثات عبر قشرته الجليدية. وإذا كان الأمر كما يبدو عليه، فسيكون بمقدور مركبة جوس أن تجري دراسة على السائل المتواجد من خلال التحليق فوق تلك الإنبعاثات أثناء دورتيه حول المشتري. وأشار ويتاسي لهذا الموضوع قائلاً: "يجب أن يكون الحظّ حليفنا. حيث يتوجّب على هذه الإنبعاثات أن تكون متواجدة، إذ أن المسألة لا زالت موضِع نقاش."
وأردف قائلاً: "إنّ التّقنيات الأخرى التي تقوم عليها المركبة لا تعتمد على الحظ، كما أنها لا تقتصر على قمر أوروبا فقط." وقد تطرّق للتّحدث عن طريقة تنفيذ تقنيات المركبة على قمرغانيميد الذي يعد القمر الوحيد الذي ستدور جوس حوله مباشرةً وذلك كمثال عن منهجيات المهمة.
يوجدُ مبدئياً نهجٌ طويل الأمد يقوم على قياس الحقل المغناطيسي حول قمر ما. تقتضي فكرتهُ أنه إذا كان هنالك كمّ من السائل الذي يوجّه الموجات الكهربائية يعوم بداخل عالمٍ ما؛ فسوف تتداخل هذه الموجات مع الحقل المغناطيسي للمشتري وأيضاً للقمر نفسِه بطريقة تسمح للمركبة بقياس هذه الموجات. إلا أنه يتوجب على مركبة جوس طبقاً لهذا المنهج المُواظبة على جمع القياسات طوال فترة بقائها على مدار المشتري من أجل جمع كم كافٍ من البيانات. ويُذكر أنَّه سَبق لناسا إطلاق مُهمة كانت تحمل أداة مشابهة تدعى "جاليليو" Galileo Mission، حيث قامت هذه المهمة باستكشاف مدار المشتري ما بين الأعوام 1995-2003.
وستعمل مركبة جوس على قياس كيفيّة تأثّر كل من أقمار المشتري بعمليات المدِّ والجزر مع عوالمٍ أخرى في نظامه المداري. ويذكر أن للمشتري حجماً هائلا لدرجة أنّه يؤثر على أقماره الأربعة الضخمة بعمليات شدٍّ مستمرة، وتدور ثلاثة من هذه الأقمار الضخمة في مداراتها بشكلٍ مُتراقصٍ متزامن، لدرجة أنها تؤثر على بعضها البعض بعمليات جذب كبيرة.
وذكر "ويتاسي" أنه إذا كان التأثير الذي يطرأ بين الأرض والقمر يخلق ظاهرة المدّ والجزر، فإن من شأن كل هذا الجذب الذي يقوم به المشتري أن يخل بتوازن أقماره. وهذا الأمر سيحدث على أية حالٍ سواء كان هنالك وجود للمحيطات على هذه الأقمار أم لا، لكن حجم عمليات المدّ والجزر سيكون مختلفا إذا كان هنالك محيطات بداخلها، أو أيضاً في حالة عدم وصول مستوى المدّ والجزر إلى ارتفاع ثلاثة أقدام (مترٍ) بالنسبة للأقمار التي لا يتواجد فيها محيطات، مقارنة بالمستوى الطبيعي للمدِّ والجزر للأقمار المائية الذي قد يصل إلى ما بين 26 قدم (ثمانية أمتار) و33 قدماً (عشرة أمتار.)
وأضاف أيضاً قائلاً: "تعدّ هذه تقنيةً ناجعةً من أجل دراسة ما يقبع داخل الأقمار الجليدية"، على الرغم من أنها ستتطلب من المركبة الفضائية الإقتراب من القمر كثيراً لكي يكون باستطاعتها إجراء عملية مسحٍ شاملة لسطحه لعدة مرات. يُرجِّح هذا الأمر عدم إمكانية إجراء دراسات على قمر غانيميد حتى بلوغ المهمة آخر مرحلة لها، وهي المرحلة التي تستمر فيها المركبة بالتواجد في مستوىً مداريّ متدنٍ للقمر لمدة ثلاثة أشهر.
لكن تعد آخر تقنيات المركبة المتعلّقة بالبحث حول هذا الأمر غريبة نوعاً ما، حيث أنها تعتمد على الدراسات المتعلّقة بالشفق القطبيّ الذي يحيط بأقطاب قمر غانيميد على سبيل المثال. إذ أنَّ هذه الأضواء المُبهرة تلتفُّ حول أرجاء القمر بشكل مُنحنٍ مُكوّنةً شكلا مشابها لحلقة الأطراف المنحنية لقبّعة "الكاوبوي" cowboy hat، بدلاً من التفافها حوله بخطٍ متناسقٍ.
ويُشير العلماء إلى أن درجة انحناء حلقة الضوء هذه تتفاوت طبقاً لطبيعة البنية الداخلية للقمر، مُتأثّرةً بالتغيرات التي تطرأ على موجات الحقل المغناطيسي، وهي نفس الموجات التي ذُكرت في نَهج التقنية الأولى. وستتضاعف درجة انحناء الحلقة ثلاثة أضعاف الإنحناء الإعتياديّ في حال عدم وجود محيط بداخل القمر. يُتوقع لهذه التقنية أن تحقق المطلوب بإجراء عدد أقل من الدراسات التي قد تتطّلبها التقنيات الأخرى للمركبة.
لن تجيب هذه المنهجيات على تساؤلات العلماء حول تلك العوالم البعيدة بالسرعة المرجوّة، لأنّ عمليات استكشاف الفضاء العميق تأخذ الكثير من الوقت كما هو معروف. يُذكر أنّه من المقرر حالياً إطلاق مركبة "جوس" في عام 2022، وسوف تستغرق أكثر من سبعِ سنواتٍ من أجل الوصول إلى مدار كوكب المُشتري. وستبدأ المركبة بإجراء معظم أهم الدراسات النهائية بهذا الشأن بحلول الأعوام 2029-2033 إذا أُطلِقت بنجاحٍ في الموعد المُقرر.
التعليمات الإدارية
نور المنتدى بالعضو الجديد
« آخـــر الــمــواضــيــع »
08-05-2020, 11:13 AM
مركبة "جوس" الفضائية الأوروبية تبحث عن محيطات خارج الأرض
العرض العادي
