البعثة مصطلح يشير إلى مناسبة تنصيب الرسول محمد (ص) لمقام الرسالة وتبليغ الإسلام لهداية الناس، وقد كانت بعثة الرسول (ص) في غار حراء الواقع في جبل النور القريب من مكة، وذلك في السابع والعشرين من رجب، للسنة الثالثة عشرة قبل الهجرة؛ طبقاً لما هو مشهور عند الإمامية. وكان الرسول (ص) في الأربعين من عمره في ذلك الوقت.
كان الديانة الوثنية شائعة بشكل كبير بين أهل مكة قبل البعثة، كما كان أتباع الديانات السماوية متواجدين في أنحاء متفرقة من شبه الجزيرة العربية، وبعد بعثة النبي (ص) انتشر الإسلام في كامل الحجاز، وحلّ محل الديانات السابقة.
أصل كلمة البعثة من «بعث»، وهي بمعنى الإرسال والتوجيه.[1]
البعثة في الاصطلاح بمعنى إرسال شخص من قبل الله تعالى إلى الناس ليدعوهم إلى دينه.[2] والبعثة عند المسلمين بمعنى بعثة النبي الأكرمصلى الله عليه وآله وسلم.
البعثة في القرآن
البعثة في مفهومها القرآني بمعنى السير والوصول إلى مرحلة خاصة من التكامل مع تطور وتحول، ولذا استعمل لبعث الأموات يوم الحشر؛ لأنّه بداية تحول عظيم ودخول في أجواء جديدة وهي عالم الآخرة،[3] وإن كان يغلب على استخدام هذا المصطلح لبعثة الأنبياء وإرسالهم لهداية الناس.[4]
القرآن الكريم في جميع الموارد ينسب البعث إلى الله، أي: بعث الموتى والتقنين الخاص لعالم الوجود وإرسال الرسل، فهذه القضايا بأسرها تكشف عن إرادة الله المطلقة في إدارة الكون وعالم الوجود.
فالملفت في بعثة الأنبياء هي منة الله تعالى على الناس،[5] فهذه المنة ـ أولاً ـ للهداية والإرشاد وثانياً أن الله أرسل الرسل وبعث الأنبياء من بين الناس ومن جنسهم. [6] وإن كان بعثة الأنبياء من بين الناس قد تسبب باستهزائهم وإنكارهم من قبل المشركين والمتكبرين والمعاندين، [7] لكنها لا تخلو عن حكمة كامنة؛ إذ أنّ الأنبياء – كما ورد في القرآن – هم الأسوة والنموذج الأعلى. فلو بعثوا من غير نوع البشر ما تمكنوا أن يكونوا أسوة للناس، [8] فهذه سنة من سنن الله تبارك وتعالى أن بعث لكل قسم من الخلق رسولاً من أنفسهم لتكون الحجة البالغة لله تعالى.[9]
بعثة النبي (ص)
في الأربعين من عمره بُعث النبي الأعظمصلى الله عليه وآله وسلم للرسالة، وقيل ـ وهو مخالف للمشهور ـ أنّه بعث في الثالث والأربعين من عمره،[10] ويرجع سبب هذا الاختلاف إلى مفهوم البعثة، فهل البعثة بدأت بنزول الآيات الآولى للقرآن، أو بدأت بالإعلان الرسمي لها؟ وبناء على ما نقله المؤرخون أنّ هذا الحدث العظيم وقع في يوم الإثنين 27 شهر رجب في سنة الأربعين بعد عام الفيل الموافق لسنة العشرين من حكومة خسرو برويز الملك الإيراني. هناك أخبار أخرى تتحدث على أنّ البعثة النبوية كانت في 17 أو 18 من شهر رمضان، وقيل أنّها حدثت في بداية شهر ربيع الأول وأيامها الأولى، وقد اختارت الشيعة الرأي الأول.[11]
غار حراء
عندما كان النبي الأكرم محمدصلى الله عليه وآله وسلم في غار حراء وفي جبل النور يعبد الله، ويتفكر في خلق السموات والأرض نزلت عليه الآيات الأولى من سورة العلق ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾، وبذلك بدأت دعوته، واستمرت هذه الدعوة بنزول الآيات الأولى من سورة المدثر.[12]
في بداية رسالته أخبر النبي الأعظمصلى الله عليه وآله وسلم زوجته خديجة وابن عمه علي (ع) بذلك. وبنزول آية ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [13] قام النبي بدعوة أهله وعشيرته وبذلك دخلت دعوته في مرحلة جديدة. وفي نفس السنة، بنزول آية ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [14] دعى الناس إلى الإسلام في سوق عكاظ[ملاحظة 1] وأعلن عن رسالته.
في ذلك اليوم قام أبو لهب باستهزاء النبي (ص)، وتبعه آخرون بتوجيه الأذى إلى النبي الأعظم (ص). فأسلم عدد قليل من الناس وآمنوا برسالته والتحقوا بالمسلمين الأوائل الذين آمنوا من قبل.[15]
استعداده لتلقّي الوحي
حينما نزل جبرائيل لأول مرة بالوحي على النبي (ص) كان فيه هيبة وثقل عظيم للرسالة بحيث عندما وصل إلى زوجته قال لها: دثّريني، ولكن لا ينقل عنه دهشة أو استغراب من هذا الموقف؛ لأن الظروف كانت مهيأة وأنّه مستعد لتلقي الوحي والارتباط بعالم الغيب، فكان على علم بآثار جبرئيل قبل أن ينزل عليه الوحي ويشاهده.
وكان النبي يمتلك فطرة طاهرة منذ أيام عمره الأولى وكانت الفئات الحاكمة في مكة حينها ملتهية بعبادة الأصنام، مما جعله يميل إلى العزلة والاعتكاف والعبادة في جبال مكة، وكانت عبادته تمتد على مدى شهر، ومن ثم يرجع (ص) إلى مكة. وكما ورد أن اسرافيل وكّل به ثلاث سنين وجبرئيل عشرين سنة[16] وذلك قبل البعثة هيّأت له الأرضية المناسبة لتلقي الوحي.
إذا قبلنا هذه الروايات فعلينا أن نقف أمام الروايات التي تحكي عن عدم معرفة النبيصلى الله عليه وآله وسلم عن أجواء الوحي، ونتأمل فيها، فالأخبار التي تتحدث عن النبي (ص) بأنّه لم يصدّق أنه نزل عليه الوحي فأدى إلى ذعره أو خشيته بأن اعتراه الجن، فاستشار خديجة في ذلك أو التعاليم التي وجهها ورقة بن نوفل إليه؛ ليدله على صدق رسالته ونبوته[17] يخالف تماماً مع مراحل تربيته والبصيرة التي وقف عليها قبل البعثة.
مكانة المبعث النبوي بين المسلمين
لبعثة النبي (ص) مكانة متميزة بين المسلمين، وتعتبر بداية الشريعة الإسلامية، تلك الشريعة التي بدأت بأتباع قليلة وفي ظروف صعبة، ثم انتشر في أنحاء العالم حتى أصبحت تهواها القلوب، كما أنها بداية تطور عظيم ومنعطف تاريخي في حياة الإنسان.
تعتبر ذكرى المبعث النبوي عيداً من أعياد الشيعة، وتشتهر بعيد المبعث، وتقام الاحتفالات بهذه المناسبة. يوم المبعث في بعض الدول الإسلامية كإيران والعراق عطلة رسمية.