بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين
إنما سميت بزيارة الأربعين لأن وقتها يوم العشرين من صفر فيكون أربعين يوما من استشهاد الامام الحسين عليه السلام في العاشر من المحرم وهو اليوم الذي ورد فيه جابر بن عبد الله الأنصاري من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر الحسين عليه السلام فكان أول من زاره من الناس وفي هذا اليوم أيضاً كان رجوع حرم الحسين عليه السلام من الشام إلى كربلاء مرة أخرى بقيادة الإمام زين العابدين عليه السلام فالتقى بجابر عليه السلام.
من هنا بدأت زيارة الأربعين الإمام الحسين عليه السلام حيث إنه اليوم الذي رجعت فيه الرؤوس أهل البيت عليهم السلام إلى أبدانهم في كربلاء
ووقف جابر الأنصاري على القبر فأجهش بالبكاء وقال يا حسين ثلاثاً، ثم قال حبيب لا يجيب حبيبه وأنّى لك بالجواب وقد شطحت أوداجك على أنباجك، وفُرقَّ بين رأسك وبدنك،فأشهد أنك ابن خاتم النبيين وابن سيد المؤمنين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس أصحاب الكساء وابن سيد النقباء وابن فاطمة سيدة النساء، ومالك ما تكون كذلك وقد غذتك كف سيد المرسلين، وربيت في حجر المتقين، ورضعت من ثدي الإيمان وقطمت بالإسلام فطبت حياً وطبت ميتاً غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك ولا شاكة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، وأشهد انك مضيت على ما مضى عليه أخوك المجتبى ابن زكريا) ثم جال بصرة حول القبر وقالالسلام عليكم أيتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين وأناخت برحله، وأشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين، والذي بعث محمداً بالحق نبيا، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه) فقال له عطية العوفيكيف؟ ولم نهبط وادياً ولم نعل جبلاً ولم نضرب بسيف والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم وأؤتمت أولادهم وأرملت الأزواج، فقال له جابر: (إني سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من أحب قوماً كان معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم، والذي بعث محمداً بالحق نبيا إن نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين عليه السلام وأصحابه
ويوم الأربعين من النواميس المتعارفة للاعتناء بالفقيد بعد أربعين يوماً، فكيف نفهم هذا المعنى عندما يتجلى في موضوع كالحسين (عليه السلام) الذي بكته السماء أربعين صباحاً بالدم، والأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسواد، والشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة. ومثل ذلك فالملائكة بكت عليه أربعين صباحاً، وما إختضبت امرأة منا ولا أدهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة من بعده كما جاء في مستدرك الوسائل للنوري، ص215، باب 94، عن زرارة عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ولفيفهم، وكلّما أمعن الخطيب أو الشاعر في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) وذكر مصيبته وأهل بيته (عليهم السلام) تفتح له أبواب من الفضيلة كانت موصدة عليه قبل ذلك ولهذا اطردت عادة الشيعة على تجديد العهد بتلكم الأحوال يوم الأربعين من كل سنة ولعل رواية أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً تطلع حمراء وتغرب حمراء تلميحُ إلى هذه الممارسة المألوفة بين الناس. وحديث الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): علامات المؤمن خمس صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والتختم باليمين وتعفير الجبين
وتروي كتب التاريخ أن أول زائر لقبر الحسين(ع) هو عبد الله بن الحر الجعفي لقرب موضعه منه، قصد الطف ووقف على الأجداث ونظر إلى مصارع القوم فاستعبر باكياً، ورثى الحسين بقصيدة معروفة: يقول أمير غادر وابن غادر ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمه فواندمي ألا أكون نصرته ألا كل نفس لا تسدد نادم (أهم مراراً أن أسير بجحفل إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه) (الطبري: 6/271)
وجاء في بحار الأنوار أن أول من قرأ الشعر على مصيبة سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) غير عبد الله بن الحر الجعفي المذكورة قصيدته آنفاً هو الشاعر عقبة بن عمرو السهمي من قبيلة بني سهم: إذا العين قرّت في الجنان وأنتم تخافون في الدنيا فأظلم نورها مررت على قبر الحسين بكربلاء ففاض عليه من دموعي الأنوار: 10/167)
وذكر الشيخ الطوسي في رجاله: (إن أول زائر لقبر
الحسين (ع) في كربلاء هو جابر بن عبد الله الأنصاري السلمي الخزرجي، ويظهر من استقراء الروايات الواردة في هذا الباب أن جابر بن عبد الله هو أول زائر للقبر في يوم الأربعين) (موسوعة العتبات المقدسة: جعفر الخليلي 8/257).)
وتدريجياً، أصبحت كربلاء مزاراً يؤمه الكثير من المسلمين بالرغم
من محاولات المنع والتقييد والاضطهاد التي قام بها الأمويون ومن
بعدهم العباسيون، وقد أصبح قبر الإمام
الحسين (ع) مركزاً لتجمع
الشيعة القادمين من كل مكان على مدار السنة وبخاصة يوم عاشوراء،
ولهذا السبب عمل المتوكل العباسي على منع إقامة المآتم الحسينية
ومنع زيارة قبر
الحسين (ع) ، وكان بذلك أول شخص فعل ذلك، ولم
يكتف المتوكل بهذا المنع بل تطرف في عدائه للحسين، ويذكر ابن
الأثير في حوادث سنة (236هـ = 850م) فقال: في هذه السنة أمر
المتوكل بهدم قبر
الحسين بن علي(ع) وهدم ما حوله من المنازل
والدور وأن يبذر ويسقى موضع قبره) (الكامل في التاريخ: ابن
الأثير 7/55، وفيات الأعيان: لابن خلكان 2/434).
علماً بأن المنصور الدوانيقي هو أول من هدم قبر الحسين، وجاء من
بعده هارون الرشيد سنة (193ه) فهدم القبر وحرث الأرض وقطع شجرة
السدر التي كانت قرب القبر ليمحوا نهائياً آثار القبر الشريف)
(بحار الأنوار: 10/294، أعيان الشيعة: 4/304)،
والثالث كان المتوكل وإن ذكر أبو الفرج الأصفهاني: (إن المتوكل
هو أول من خرب القبر وهدمه على يد اليهود الذين كانوا معه سنة
233هـ) (مقاتل الطالبيين: 203))
لم يمنع إرهاب المتوكل الشيعة من المضي في إقامة العزاء أو
القيام بمراسيم زيارة قبر
الحسين (ع) بل استمروا في ذلك بتحدٍ
مباشر أو بصورة غير علنية..
وبعد انهيار الدولة العباسية وصعود البويهيين إلى السلطة في
القرن العاشر الميلادي، جاء معز الدولة البويهي (936 - 967م)
وكان مع وزيره ابن المهلبي من الشيعة. قال ابن الجوزي مع
المبالغة في التصوير:
جرت في العاشر من محرم عام (963م = 352هـ) ولأول مرة في التاريخ
احتفالات رسمية وفريدة في يوم عاشوراء حيث أغلقت الأسواق وسارت
النادبات في شوارع بغداد وقد سودن وجوههن وحللن شعورهن ومزقن
ثيابهن وهن يلطمن وجوههن ويرددن مرثية حزينة (المنتظم لابن
الجوزي)
وأول من جعل اليوم العاشر من المحرم يوم حزن لذكرى موقعة كربلاء
بصفة رسمية هو معز الدولة البويهي (الشيعة في الميزان: محمد جواد
مغنية 136).
وإثر ذلك تنفس الشيعة الصعداء، وأصبح الإعلان عن شعائرهم بذكرى
عاشوراء الدم أمراً متاحاً. وأخذوا يمارسون طقوسهم بحرية تامة
وبصورة علنية، وينقل المقريزي أيضاً: (جرت شعائر الحزن والعزاء
يوم عاشوراء أيضاً أيام الإخشيديين في مصر واتسع نطاقها أيام
الفاطميين، حيث توقف البيع والشراء وتعطلت الأسواق وذهب الناس
إلى مشاهد أم كلثوم ونفيسة في القاهرة وهم باكون نائحون (نهضة
الحسين: هبة الدين الشهرستاني 163)
وذهب الفاطميون إلى إظهار الحزن على الإمام
الحسين (ع) في
عاشوراء بصورة ملحمية مؤثرة في النفوس فكانت مصر في دولتهم في
اليوم العاشر من المحرم تبطل البيع والشراء وتعطل الأسواق ويجتمع
أهل النوح والنشيد ويطوفون بالأزقة والأسواق ويأتون إلى مشهد أم
كلثوم ونفيسة وغيرهما وهم نائحون باكون ويمضون إلى الجامع الأزهر
أو إلى دار الخليفة، ولربما حضر الخليفة وهو حاف وعليه شعار
الحزن فيقرأ مقتل
الحسين (ع) ثم ينشد الشعراء ما قالوه في الحسين
وأهل البيت (ع) إلى أن ينتصف النهار فيدعى الناس إلى مائدة
الخليفة، ولا تكون المائدة كموائد الأعياد من فرش أحسن البسط
واختيار أنفس الأطعمة وتوفر الألوان وغير ذلك من مظاهر الملوكية
وأبهة السلطة، بل تفرش الحصر ويمد سماط الحزن ويغير لون الخبز
عمداً، ويجعلون على السماط ألباناً وجبناً وعسلاً وأمثال ذلك، ثم
يخرجون بعد تناول الطعام على تلك الهيئة التي كانوا عليها من
النوح والبكاء ويستمر الحال إلى ما بعد العصر) (تاريخ الشيعة:
محمد حسين المظفر 188).
والى يومنا هذا لايزال النواصب يفتكون بزوار
الحسين فبعد سقوط الطاغية صدام الذي
منع وضيق الخناق على شيعة اهل البيت عليهم السلام سائهم قدوم الملايين لزيارة ابي عبدالله
الحسين ولكن لن يزيدناهذا الا اصرار علي الزيارة ونسأل الله القدير ان يحفظ زوار
الحسين ولو فتحت الحدود لاتو المشايا من جميع دول العالم فهنيئا لكم يا اهل العراق صبرتم ونلتم فضل زيارة الاربعين مشيا والله يحفظ العراق واهله بحق
الحسين وجده واخيه وامه وابيه والتسعة المعصومين من ذريته وبنيه.